بين التشدد والإلتزام
الأحد مارس 20, 2022 3:14 pm
الحمد لله ربّ العالمين، نحمدك يا ربنا حمداً يليق بجلالك وعظيم سلطانك، ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك، ونصلي ونسلم على نبيك وحبيبك سيدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأزواجه، ومن تبعه واقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
شرف الله تعالى أنبياءَه بما حمّلهم من رسالةٍ يُبلغونها إلى عباده, وإيضاح ما يشكل عليهم من أمور حياتهم، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ*بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)([1]), ولقد نهضوا بهذه الأمانة وتحملوا في سبيل تبليغها أشدَّ الأذى, ثم حمل الأمانة من بعدهم علماء أخذوا على عاتقهم مسؤولية تبليغ دعوة الله تعالى إلى خلقه أجمعين, آخذين من سبيل الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة مسلكاً لهم، نبراسهم في ذلك قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ([2])، وكذا ما وجه الله تعالى به عباده إلى عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)([3])، حيث إنهم رأوا في هذه الآية الكريمة توجيهاً لهم كذلك ليكونوا على خلقه صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى, فلا نجاح للداعية إن لم يكن متأسياً بهديه صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى.
واستمر الحال على ذلك طيلة عصور المسلمين؛ فالعلماء يعالجون أمور العامة بما يحفظ عليهم كيانهم ويحميهم من الوقوع في مزالق الشيطان ومتاهات الجهل.
لكن الأمر لا يستقرُّ على حال، فكلما بعُد الزمن من عصر النبوة ظهر الجهل وتفشى بين الناس, وقد يظهر من يتصدى للدعوة إلى الله تعالى وإرشاد الناس إلى أمور دينهم مَن هو قاصرٌ عن إدراك النصوص الشرعية ومقاصدها، وهذا هو عين ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حين قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)([4]).
والحال كذلك من فشو الجهل وانتشار من يفتي الناس دون علمٍ يختلط الأمر على العامة، فلا يميزون عندئذٍ بين حقٍ وباطلٍ, ولا يعرف صاحب الحق من صاحب الباطل، ويجدُ أعداء الله تعالى فرصة عظيمة في هكذا حال لتمزيق وحدة الأمة وتحطيم صمودها وتفريق صفها وإذابة شخصيتها ومحو هويتها.
فالعلماء يمثلون السد المنيع والحصن الحصين، وخط الدفاع الأول في وجه الأعداء، فهم مَن يتصدى لشبههم، ويفضح مكائدهم، ويُجلي حقيقتهم، ويُبصر العامة بحالهم، لذلك نجد الهجمة الشرسة من أعداء الله تعالى على علماء هذه الأمة ودعاتها، فلا بدَّ من تشويه صورتهم واللمز في شخصهم فهم أوعية العلم وآنيته، ولا سبيل للأعداء لتحقيق ذلك إلا بإلصاق أسوأ الصفات بهم، ورميهم بأخبث المسمّيات والتي يُراد من ورائها تنفير الناس منهم وإبعادهم عنهم، ومن هذه الألفاظ لفظ التشدد.
لذلك أحببت في هذه العجالة جاهداً أن أسلط الضوء على مفهوم التشدد وأشكاله وما وقع منه في زمنه صلى الله عليه وسلم, وموقف الشرع حياله والفرق بينه وبين الالتزام، وما حكم مَن يطلق هذا اللفظ على القائمين بشرع الله تعالى الملتزمين لأحكامه.
التشدد مأخوذٌ من الشدة؛ وهي القوة والجلادة([5]).
والشد: العْدو, وشد النهار: أي ارتفع وشد عضده أي قواه([6]).
ولو أردنا أن نصل إلى مفهوم للتشدد لوجدنا أنه يتناول مجموعة من نشاطات الإنسان؛ فقد يكون الأخذ بالعزيمة وترك الرخصة تشدداً في موطنٍ، وقد يكون الإكثار من نوافل العبادات على حساب الفرائض والواجبات تشدداً، وقد يأخذ التشدد صورة إلزام النفس بعمل لم يأذن به الشرع, وقد وقع من ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم، فنذكر من ذلك:
من الأول: ما رواه مسلم في صحيحه من طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قَدْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ) ([7]).
وكذلك وصف صلى الله عليه وسلم الذين خالفوه في الصيام في السفر وأصروا على صيامهم رغم ما لحقهم من مشقة وصفهم بالعصاة، كما في حديث الترمذي من طريق جابر أيضاً رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ وَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ. فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ وَصَامَ بَعْضُهُمْ فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا، فَقَالَ: (أُولَئِكَ الْعُصَاةُ) ([8]).
فأنت ترى أنه صلى الله عليه وسلم قد عاب على من أخذ بعزيمة في موطن شدة وعرّض نفسه للهلاك وترك رخص الله تعالى، وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يُحبُّ أن تؤتى رُخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)([9]).
ومن الثاني: ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) ([10]).
قال ابن بطال في شرحه على الصحيح: "وأنه لا ينبغي له أن يجحف نفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحق أهله من جماعها والكسب عليها"([11]).
ومن الثالث: ما روى البخاري كذلك في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) ([12]).
فأنت ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرَّ هذا الصحابي على أمر لم يأمر به الشرع من البقاء في حرّ الشمس أو من ترك الكلام، أما الصيام فهو عبادة فقد أمره بإتمامها.
ومنه ما رواه البخاري في صحيحه في قصة الرهط الذين أتوا إلى بيوت النبي عليه السلام يسألون عن عبادته، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)([13]).
وذكر ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ([14]) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رَهْط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: نقطع مَذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك: فقالوا: نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسُنَّتِي فهو مِنِّي، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني) ([15]).
وبعد هذا العرض لما سبق ذكره من وقائع نجد أن الإسلام يوجه أتباعه إلى البعد عن التشدد بمفاهيمه السابقة كما في حديث: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق) ([16])، أي إن الدين متين صلب شديد فسيروا فيه برفق من غير تكلف، ولا تحملوا أنفسكم ما لا تطيقون فتعجزوا وتتركوا العمل([17]).
وكما في حديث أنس رضي الله عنه عند أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عنه وسلم: (لاَ تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِى الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ) ([18]).
وهذه السيدة عائشة رضي الله عنها توبخ مَن جاءها من النساء تريد أن تقضي ما فاتها من صلاةٍ زمن حيضها، فتقول لها: أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به([19]).
إذاً فالإسلام ينهى وبكل قوةٍ عن التشدد لما يترتب عليه من تفويتٍ للمصالح الدينية والدنيوية، ولهذا نجد فرقاً شاسعاً بين التشدد بالمفهوم الذي سبق وبين مفهوم الالتزام، فالمسلم الملتزم بدينه هو ذلك الشخص الذي يقوم بالفرائض والواجبات ويبتعد عن المحرمات، ويُحافظ على سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم مما ثبت عنه بطريق صحيح، ويجتنب كذلك ما عدّه الفقهاء مكروهاً.
فهذا الشخص الملتزم بما أرشده الله إليه من عمل صالحٍ إنما يبتغي بذلك مرضاة ربه ويخشى عذابه، وهذا عين التقوى التي أمر الله تعالى بها، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ([20])، وكما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما سئل عن التقوى فقال: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
فالشاهد من قوله رضي الله عنه: "العمل بالتنزيل"، فمن يقوم بما أمر الله تعالى به حق القيام لا يوصف بالتشدد والتزمت وغيرها من ألفاظ ٍ يُراد منها تنفير العامة من كل من يلتزم أمر الله تعالى، وبالتالي التنفير من دين الله تعالى ذاته.
ولذلك لا يجوز لشخصٍ أن يصف مسلماً ملتزماً بتعاليم الإسلام بالتشدد، فإن ذلك يُعدُّ وصفا ً للإسلام نفسه، وفي هذا تكذيب لصريح القرآن الكريم، حيث ينفي الله تعالى فيه صفة الحرج والشدة عن هذا الدين قال الله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)([21]).
وأخيرا أود أن أعرج على أمر هام في هذه العجالة، وهو وما يتبادر للناظر في زمننا الحالي من انتشار للتشدد بالرأي والفكر بين أوساط الشباب المسلم، حيث تجد التفسير الأحادي النظرة لنصوص الكتاب والسنة دون رجوعٍ لأقوال أهل العلم كافة سواء في باب تفسير القرآن الكريم أم في باب شروح الحديث النبوي، مما أفرز تشدداً لدى الكثير من شباب اليوم لآرائهم وتوجهاتهم، ولا يمكن معالجة هذه الظاهرة الخطيرة إلا بالتركيز على جانب التعليم الشرعي الأصيل القائم على الفهم الصحيح للنصوص الشرعية والمأخوذة من أقوال الفقهاء واستنباطاتهم فهم الأعلم بمراد الشارع الحكيم. نسأل الله تعالى أن يسدد خطانا لما يُحب ويرضى.
شرف الله تعالى أنبياءَه بما حمّلهم من رسالةٍ يُبلغونها إلى عباده, وإيضاح ما يشكل عليهم من أمور حياتهم، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ*بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)([1]), ولقد نهضوا بهذه الأمانة وتحملوا في سبيل تبليغها أشدَّ الأذى, ثم حمل الأمانة من بعدهم علماء أخذوا على عاتقهم مسؤولية تبليغ دعوة الله تعالى إلى خلقه أجمعين, آخذين من سبيل الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة مسلكاً لهم، نبراسهم في ذلك قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ([2])، وكذا ما وجه الله تعالى به عباده إلى عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)([3])، حيث إنهم رأوا في هذه الآية الكريمة توجيهاً لهم كذلك ليكونوا على خلقه صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى, فلا نجاح للداعية إن لم يكن متأسياً بهديه صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى.
واستمر الحال على ذلك طيلة عصور المسلمين؛ فالعلماء يعالجون أمور العامة بما يحفظ عليهم كيانهم ويحميهم من الوقوع في مزالق الشيطان ومتاهات الجهل.
لكن الأمر لا يستقرُّ على حال، فكلما بعُد الزمن من عصر النبوة ظهر الجهل وتفشى بين الناس, وقد يظهر من يتصدى للدعوة إلى الله تعالى وإرشاد الناس إلى أمور دينهم مَن هو قاصرٌ عن إدراك النصوص الشرعية ومقاصدها، وهذا هو عين ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حين قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)([4]).
والحال كذلك من فشو الجهل وانتشار من يفتي الناس دون علمٍ يختلط الأمر على العامة، فلا يميزون عندئذٍ بين حقٍ وباطلٍ, ولا يعرف صاحب الحق من صاحب الباطل، ويجدُ أعداء الله تعالى فرصة عظيمة في هكذا حال لتمزيق وحدة الأمة وتحطيم صمودها وتفريق صفها وإذابة شخصيتها ومحو هويتها.
فالعلماء يمثلون السد المنيع والحصن الحصين، وخط الدفاع الأول في وجه الأعداء، فهم مَن يتصدى لشبههم، ويفضح مكائدهم، ويُجلي حقيقتهم، ويُبصر العامة بحالهم، لذلك نجد الهجمة الشرسة من أعداء الله تعالى على علماء هذه الأمة ودعاتها، فلا بدَّ من تشويه صورتهم واللمز في شخصهم فهم أوعية العلم وآنيته، ولا سبيل للأعداء لتحقيق ذلك إلا بإلصاق أسوأ الصفات بهم، ورميهم بأخبث المسمّيات والتي يُراد من ورائها تنفير الناس منهم وإبعادهم عنهم، ومن هذه الألفاظ لفظ التشدد.
لذلك أحببت في هذه العجالة جاهداً أن أسلط الضوء على مفهوم التشدد وأشكاله وما وقع منه في زمنه صلى الله عليه وسلم, وموقف الشرع حياله والفرق بينه وبين الالتزام، وما حكم مَن يطلق هذا اللفظ على القائمين بشرع الله تعالى الملتزمين لأحكامه.
التشدد مأخوذٌ من الشدة؛ وهي القوة والجلادة([5]).
والشد: العْدو, وشد النهار: أي ارتفع وشد عضده أي قواه([6]).
ولو أردنا أن نصل إلى مفهوم للتشدد لوجدنا أنه يتناول مجموعة من نشاطات الإنسان؛ فقد يكون الأخذ بالعزيمة وترك الرخصة تشدداً في موطنٍ، وقد يكون الإكثار من نوافل العبادات على حساب الفرائض والواجبات تشدداً، وقد يأخذ التشدد صورة إلزام النفس بعمل لم يأذن به الشرع, وقد وقع من ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم، فنذكر من ذلك:
من الأول: ما رواه مسلم في صحيحه من طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قَدْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ) ([7]).
وكذلك وصف صلى الله عليه وسلم الذين خالفوه في الصيام في السفر وأصروا على صيامهم رغم ما لحقهم من مشقة وصفهم بالعصاة، كما في حديث الترمذي من طريق جابر أيضاً رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ وَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ. فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ وَصَامَ بَعْضُهُمْ فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا، فَقَالَ: (أُولَئِكَ الْعُصَاةُ) ([8]).
فأنت ترى أنه صلى الله عليه وسلم قد عاب على من أخذ بعزيمة في موطن شدة وعرّض نفسه للهلاك وترك رخص الله تعالى، وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يُحبُّ أن تؤتى رُخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)([9]).
ومن الثاني: ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) ([10]).
قال ابن بطال في شرحه على الصحيح: "وأنه لا ينبغي له أن يجحف نفسه في العبادة حتى يضعف عن القيام بحق أهله من جماعها والكسب عليها"([11]).
ومن الثالث: ما روى البخاري كذلك في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) ([12]).
فأنت ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرَّ هذا الصحابي على أمر لم يأمر به الشرع من البقاء في حرّ الشمس أو من ترك الكلام، أما الصيام فهو عبادة فقد أمره بإتمامها.
ومنه ما رواه البخاري في صحيحه في قصة الرهط الذين أتوا إلى بيوت النبي عليه السلام يسألون عن عبادته، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)([13]).
وذكر ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ([14]) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رَهْط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: نقطع مَذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك: فقالوا: نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسُنَّتِي فهو مِنِّي، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني) ([15]).
وبعد هذا العرض لما سبق ذكره من وقائع نجد أن الإسلام يوجه أتباعه إلى البعد عن التشدد بمفاهيمه السابقة كما في حديث: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق) ([16])، أي إن الدين متين صلب شديد فسيروا فيه برفق من غير تكلف، ولا تحملوا أنفسكم ما لا تطيقون فتعجزوا وتتركوا العمل([17]).
وكما في حديث أنس رضي الله عنه عند أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عنه وسلم: (لاَ تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِى الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ) ([18]).
وهذه السيدة عائشة رضي الله عنها توبخ مَن جاءها من النساء تريد أن تقضي ما فاتها من صلاةٍ زمن حيضها، فتقول لها: أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به([19]).
إذاً فالإسلام ينهى وبكل قوةٍ عن التشدد لما يترتب عليه من تفويتٍ للمصالح الدينية والدنيوية، ولهذا نجد فرقاً شاسعاً بين التشدد بالمفهوم الذي سبق وبين مفهوم الالتزام، فالمسلم الملتزم بدينه هو ذلك الشخص الذي يقوم بالفرائض والواجبات ويبتعد عن المحرمات، ويُحافظ على سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم مما ثبت عنه بطريق صحيح، ويجتنب كذلك ما عدّه الفقهاء مكروهاً.
فهذا الشخص الملتزم بما أرشده الله إليه من عمل صالحٍ إنما يبتغي بذلك مرضاة ربه ويخشى عذابه، وهذا عين التقوى التي أمر الله تعالى بها، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ([20])، وكما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما سئل عن التقوى فقال: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
فالشاهد من قوله رضي الله عنه: "العمل بالتنزيل"، فمن يقوم بما أمر الله تعالى به حق القيام لا يوصف بالتشدد والتزمت وغيرها من ألفاظ ٍ يُراد منها تنفير العامة من كل من يلتزم أمر الله تعالى، وبالتالي التنفير من دين الله تعالى ذاته.
ولذلك لا يجوز لشخصٍ أن يصف مسلماً ملتزماً بتعاليم الإسلام بالتشدد، فإن ذلك يُعدُّ وصفا ً للإسلام نفسه، وفي هذا تكذيب لصريح القرآن الكريم، حيث ينفي الله تعالى فيه صفة الحرج والشدة عن هذا الدين قال الله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)([21]).
وأخيرا أود أن أعرج على أمر هام في هذه العجالة، وهو وما يتبادر للناظر في زمننا الحالي من انتشار للتشدد بالرأي والفكر بين أوساط الشباب المسلم، حيث تجد التفسير الأحادي النظرة لنصوص الكتاب والسنة دون رجوعٍ لأقوال أهل العلم كافة سواء في باب تفسير القرآن الكريم أم في باب شروح الحديث النبوي، مما أفرز تشدداً لدى الكثير من شباب اليوم لآرائهم وتوجهاتهم، ولا يمكن معالجة هذه الظاهرة الخطيرة إلا بالتركيز على جانب التعليم الشرعي الأصيل القائم على الفهم الصحيح للنصوص الشرعية والمأخوذة من أقوال الفقهاء واستنباطاتهم فهم الأعلم بمراد الشارع الحكيم. نسأل الله تعالى أن يسدد خطانا لما يُحب ويرضى.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى