وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
الأربعاء مارس 02, 2022 2:52 pm
وبعد: فهذا تفسير قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].
{واصبرْ نفسك} أي : احبسها {مع الذين يدعون ربهم} أي : يعبدونه {بالغداةِ والعَشِيِّ} ، قيل : الصلوات الخمس ، فالغداة : الصبح ، والعَشِيِّ : الظهر وما بعده ، وقيل : الصبح والعصر ، والأظهر أنها الصلاة التي كانوا يُصلونها قبل فرض الصلاة ، وهي ركعتان بالغداة والعشي. قال ابن عطية : ويدخل في الآية مَنْ يدعو في غير صلاة ، ومن يجمع لمذاكرة علم ، وقد رَوى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لَذِكْرُ اللهِ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حَطْمِ السُّيُوف فِي سَبيل اللهِ ، ومِنْ إعْطَاءِ المَال سحا " وقيل : {يدعون ربهم} في جميع الأوقات ، وفي طرفَيْ النهار ، والمراد بهم فقراء المؤمنين ؛ كعمار وصهيب وخباب وبلال ، رُوي أن رؤساء الكفرة من قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أبعدت هؤلاء عن نفسك لجالسناك وصحبناك ، وقالوا : إن ريح جِبَابِهم تؤذينا ، فنزلت الآية. رُوي أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت خرج إليهم وجلس بينهم ، وقال : " الحمدُ لله الذي جَعَلَ في أمتي مَنْ أُمرْتُ أنْ أصبرْ نَفْسِي معه " وقيل : نزلت في بيان أهل الصُّفَّة ، وكانوا نحو سبعمائة ، فتكون الآية مدنية.
ثم وصفهم بالإخلاص ، فقال : {يُريدون وجهه} أي : معرفة ذاته، {ولا تَعْدُ عيناك عنهم} أي : لا تجاوزهم بنظرك إلى غيرهم ، من عداه : إذا جاوزه ، وفي الوجيز : ولا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة ، {تُريد زينةَ الحياةِ الدنيا} أي : تطلب مجالسة الأشراف والأغنياء وأصحاب الدنيا، {ولا تُطِعْ} في تنحية الفقراء عن مجلسك {مَن أغفلنا قلبَه عن ذِكْرِنا} أي : جعلناه غافلاً عن الذكر وعن الاستعداد له ، كأولئك الذين يدعونك إلى طرد الفقراء عن مجلسك ، فإنهم غافلون عن ذكرنا ، على خلاف ما عليه المؤمنون من الدعاء في مجامع الأوقات ، وفيه تنبيه على أن الباعث على ذلك الدعاء غفلة قلبية عن جناب الله - سبحانه - حتى خفي عليه أن الشرف إنما هو بتحلية القلب بالفضائل ، لا بتحلية الجسد بالملابس والمآكل. {واتَّبَعَ هواه} : ما تهواه نفسه ، {وكان أمره فُُرطًا} : ضياعًا وهلاكًا ، وهو من التفريط والتضييع ، أو من الإفراط والإسراف ، فإن الغفلة عن ذكر الله - تعالى - تُؤدي إلى اتباع الهوى المؤدي إلى التجاوز والتباعد عن الحق والصواب. والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخلاصة: أن في الآية حثٌّ على صحبة الفقراء والمُكْث معهم ، وفي صحبتهم أسرار كبيرة ومواهب غزيرة ، إذ بصحبتهم يَكتسبُ الفقير آداب الطريق ، وبصحبتهم يقع التهذيب والتأديب ، حتى يتأهل لحضرة التقريب ، وبصحبتهم تدوم حياة الطريق ، ويصل العبد إلى معالم التحقيق ، وفي ذلك يقول الشيخ أبو مدين :
مَا لَذّةُ العَيْشِ إلا صُحبة الفُقرا ... هُمُ السَّلاَطِينُ والسَّادَاتُ والأُمَرَ ...إلى آخر القصيدة
وقوله تعالى : {يريدون وجهه} ، بيَّن أن دعاءهم وسؤالهم إنما هو رؤيته ولقاؤه ، شوقًا إليه ومحبة فيه ، من غير تعلق بغيره ، أو شُغل بسواه ، بل همتهم الله لا غيره ، وإِلاَّ لَمَا صدق قصر إرادتم عليه. قال في الإحياء : من يعمل اتقاء من النار خوفًا ، أو رغبة في الجنة رجاء ، فهو من جملة النيات الصحيحة ؛ لأنه ميل إلى الموعود في الآخرة ، وإن كان نازلاً بالإضافة إلى قصد طاعة الله وتعظيمه لذاته ولجلاله ، لا لأمرٍ سواه.
{واصبرْ نفسك} أي : احبسها {مع الذين يدعون ربهم} أي : يعبدونه {بالغداةِ والعَشِيِّ} ، قيل : الصلوات الخمس ، فالغداة : الصبح ، والعَشِيِّ : الظهر وما بعده ، وقيل : الصبح والعصر ، والأظهر أنها الصلاة التي كانوا يُصلونها قبل فرض الصلاة ، وهي ركعتان بالغداة والعشي. قال ابن عطية : ويدخل في الآية مَنْ يدعو في غير صلاة ، ومن يجمع لمذاكرة علم ، وقد رَوى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لَذِكْرُ اللهِ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حَطْمِ السُّيُوف فِي سَبيل اللهِ ، ومِنْ إعْطَاءِ المَال سحا " وقيل : {يدعون ربهم} في جميع الأوقات ، وفي طرفَيْ النهار ، والمراد بهم فقراء المؤمنين ؛ كعمار وصهيب وخباب وبلال ، رُوي أن رؤساء الكفرة من قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أبعدت هؤلاء عن نفسك لجالسناك وصحبناك ، وقالوا : إن ريح جِبَابِهم تؤذينا ، فنزلت الآية. رُوي أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت خرج إليهم وجلس بينهم ، وقال : " الحمدُ لله الذي جَعَلَ في أمتي مَنْ أُمرْتُ أنْ أصبرْ نَفْسِي معه " وقيل : نزلت في بيان أهل الصُّفَّة ، وكانوا نحو سبعمائة ، فتكون الآية مدنية.
ثم وصفهم بالإخلاص ، فقال : {يُريدون وجهه} أي : معرفة ذاته، {ولا تَعْدُ عيناك عنهم} أي : لا تجاوزهم بنظرك إلى غيرهم ، من عداه : إذا جاوزه ، وفي الوجيز : ولا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة ، {تُريد زينةَ الحياةِ الدنيا} أي : تطلب مجالسة الأشراف والأغنياء وأصحاب الدنيا، {ولا تُطِعْ} في تنحية الفقراء عن مجلسك {مَن أغفلنا قلبَه عن ذِكْرِنا} أي : جعلناه غافلاً عن الذكر وعن الاستعداد له ، كأولئك الذين يدعونك إلى طرد الفقراء عن مجلسك ، فإنهم غافلون عن ذكرنا ، على خلاف ما عليه المؤمنون من الدعاء في مجامع الأوقات ، وفيه تنبيه على أن الباعث على ذلك الدعاء غفلة قلبية عن جناب الله - سبحانه - حتى خفي عليه أن الشرف إنما هو بتحلية القلب بالفضائل ، لا بتحلية الجسد بالملابس والمآكل. {واتَّبَعَ هواه} : ما تهواه نفسه ، {وكان أمره فُُرطًا} : ضياعًا وهلاكًا ، وهو من التفريط والتضييع ، أو من الإفراط والإسراف ، فإن الغفلة عن ذكر الله - تعالى - تُؤدي إلى اتباع الهوى المؤدي إلى التجاوز والتباعد عن الحق والصواب. والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخلاصة: أن في الآية حثٌّ على صحبة الفقراء والمُكْث معهم ، وفي صحبتهم أسرار كبيرة ومواهب غزيرة ، إذ بصحبتهم يَكتسبُ الفقير آداب الطريق ، وبصحبتهم يقع التهذيب والتأديب ، حتى يتأهل لحضرة التقريب ، وبصحبتهم تدوم حياة الطريق ، ويصل العبد إلى معالم التحقيق ، وفي ذلك يقول الشيخ أبو مدين :
مَا لَذّةُ العَيْشِ إلا صُحبة الفُقرا ... هُمُ السَّلاَطِينُ والسَّادَاتُ والأُمَرَ ...إلى آخر القصيدة
وقوله تعالى : {يريدون وجهه} ، بيَّن أن دعاءهم وسؤالهم إنما هو رؤيته ولقاؤه ، شوقًا إليه ومحبة فيه ، من غير تعلق بغيره ، أو شُغل بسواه ، بل همتهم الله لا غيره ، وإِلاَّ لَمَا صدق قصر إرادتم عليه. قال في الإحياء : من يعمل اتقاء من النار خوفًا ، أو رغبة في الجنة رجاء ، فهو من جملة النيات الصحيحة ؛ لأنه ميل إلى الموعود في الآخرة ، وإن كان نازلاً بالإضافة إلى قصد طاعة الله وتعظيمه لذاته ولجلاله ، لا لأمرٍ سواه.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى