الفرق بين الروح والجسد ومعنى حديث الأرواح جنود مجندة
الجمعة فبراير 05, 2021 7:18 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
.. الفرق بين الروح والجسد ..
ومعنى حديث الأرواح جنود مجندة
نعرض هنا .. أجمل ما قيل فى هذا الموضوع إضافة الى ما سبق من مواضيع .. بخصوص الكلام عن الروح
نقلا عن كتاب الروض الأُنف ( بضم الألف والنون والفاء )
قال الامام السهيلي :
الْفَرْقُ بَيْنَ الرّوحِ وَالنّفْسِ:
فَنَقُولُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي )، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ نَفْسِي وَكَذَلِكَ قَالَ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) السّجْدَةِ: 9.. وَلَمْ يقل من نَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ هَذَا، وَلَا خَفَاءَ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ فِي الْكَلَامِ، وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فِي الْمَعْنَى ..
وَبِعَكْسِ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) وَلَمْ يَقُلْ: تَعْلَمُ مَا فِي رُوحِي، وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي رُوحِك، وَلَا يَحْسُنُ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَهُ غَيْرُ عِيسَى ..
وَلَوْ كَانَتْ النّفْسُ وَالرّوحُ اسْمَيْنِ لِمَعْنَى وَاحِدٍ، كَاللّيْثِ وَالْأَسَدِ لَصَحّ وُقُوعُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكَانَ صاحبه، وكذلك قوله تعالى: يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَحْسُنُ فِي الْكَلَامِ: يَقُولُونَ فِي أَرْوَاحِهِمْ، وقال تعالى أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ ) وَلَمْ يَقُلْ:أَنْ تَقُولَ رُوحٌ
فَأَيْنَ إذًا كَوْنُ النّفْسِ وَالرّوحِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ لَوْلَا الْغَفْلَةُ عَنْ تَدَبّرِ كَلَامِ اللهِ تعالى؟!
ولكن بقيت دقيقة يعرف منها السّرّ وَالْحَقِيقَةُ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَافٌ مُتَبَايِنٌ إنْ شَاءَ اللهُ، فَنَقُولُ وَبِاَللهِ التّوْفِيقُ:
الرّوحُ مُشْتَقّ مِنْ الرّيحِ، وَهُوَ جِسْمٌ هَوَائِيّ لَطِيفٌ، بِهِ تَكُونُ حَيَاةُ الْجَسَدِ عَادَةً، أَجْرَاهَا اللهُ تَعَالَى؛ لِأَنّ الْعَقْلَ يُوجِبُ أَلّا يَكُونَ لِلْجِسْمِ حَيَاةٌ، حَتّى يُنْفَخَ فِيهِ ذَلِكَ الرّوحُ الّذِي هُوَ فِي تَجَاوِيفِ الْجَسَدِ، كَمَا قَالَ ابْنُ فُورَكٍ وَأَبُو الْمَعَالِي وَأَبُو بَكْرٍ الْمُرَادِيّ، وَسَبَقَهُمْ إلَى نَحْوٍ مِنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيّ، وَمَعْنَى كَلَامِهِمْ وَاحِدٌ أَوْ مُتَقَارِبٌ.
الرّوحُ سَبَبُ الْحَيَاةِ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنّ الرّوحَ سَبَبُ الحياة عادة، أجراها الله تعالى، فهو كَالْمَاءِ الْجَارِي فِي عُرُوقِ الشّجَرَةِ صُعُدًا، حَتّى تَحْيَا بِهِ عَادَةً
فَنُسَمّيهِ مَاءً بِاعْتِبَارِ أَوّلِيّتِهِ، وَنُسَمّي أَيْضًا هَذَا رُوحًا بِاعْتِبَارِ أَوّلِيّتِهِ، وَاعْتِبَارِ النّفْخَةِ الّتِي هِيَ رِيحٌ، فَمَا دَامَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمّهِ حَيّا، فَهُوَ ذُو رُوحٍ
فإذا نشأوا كتب ذلك الروح أخلافا وَأَوْصَافًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى مَصَالِحِ الْجِسْمِ كَلَفًا بِهِ، وَعَشِقَ مَصَالِحَ الْجَسَدِ وَلَذّاتِهِ، وَدَفَعَ الْمَضَارّ عَنْهُ سُمّيَ: نَفْسًا، كَمَا يَكْتَسِبُ الْمَاءُ الصّاعِدُ فِي الشّجَرَةِ مِنْ الشّجَرَةِ أَوْصَافًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ
فَالْمَاءُ فِي الْعِنَبَةِ مَثَلًا هُوَ: مَاءٌ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَالْبَدْأَةِ.. فَفِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْمُيُوعَةُ وَالرّطُوبَةُ، وَفِيهِ مِنْ الْعِنَبَةِ الْحَلَاوَةُ، وَأَوْصَافٌ أُخَرَ، فَتُسَمّيهِ مِصْطَارًا إنْ شِئْت، أَوْ خَمْرًا إنْ شِئْت، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمّا أَوْجَبَهُ الِاكْتِسَابُ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ
فَمَنْ قَالَ: إنّ النّفْسَ هِيَ الرّوحُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، فَلَمْ يُحْسِنْ الْعِبَارَةَ، وَإِنّمَا فِيهَا مِنْ الرّوحِ .. الْأَوْصَافُ الّتِي تَقْتَضِيهَا نَفْخَةُ الْمَلَكِ، وَالْمَلَكُ مَوْصُوفٌ بِكُلّ خُلُقٍ كَرِيمٍ
.. وَمِنْ هَهُنَا سُمّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ: رُوحًا، وَالْوَحْيُ: رُوحًا، لِأَنّ بِهِ تَكُونُ حَيَاةُ الْقُلُوبِ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً [فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها] الْأَنْعَامِ: 122 وَقَالَ فِي الْكُفّارِ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ )النّحْلِ: 21 وَقَالَ فِي النّفْسِ مَا تَقَدّمَ، وَقَالَ: ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) يُوسُفَ: 53
وَلَمْ يَقُلْ إنّ الرّوحَ لَأَمّارَةٌ؛ لِأَنّ الرّوحَ الّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ لَا يَأْمُرُ بِسُوءِ، وَلَا يُسَمّى أَيْضًا نَفْسًا، كَمَا قَدّمْنَا حَتّى يَكْتَسِبَ مِنْ الْجَسَدِ الْأَوْصَافَ الْمَذْكُورَةَ، وَمَا كَانَ نَحْوَهَا، وَالْمَاءُ النّازِلُ مِنْ السّمَاءِ جِنْس وَاحِدٌ، فَإِذَا مَازَجَ أَجْسَادَ الشّجَرِ كَالتّفّاحِ وَالْفِرْسِكِ وَالْحَنْظَلِ وَالْعُشُرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ
كَذَلِكَ الرّوحُ الْبَاطِنَةُ الّتِي هِيَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، هِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ أَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا لَهَا حِينَ قال: ( ونفخ فيه من روحه )..
الارواح جنود مجنده
"عنوان ليس فى اصل الكتاب"
ثُمّ يُخَالِطُ الْأَجْسَادَ الّتِي خُلِقَتْ مِنْ طِينٍ، وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الطّينِ طَيّبٌ وَخَبِيثٌ، فَيَنْزِعُ كُلّ فَرْعٍ إلَى أَصْلِهِ، وَيَنْزِعُ ذَلِكَ الْأَصْلُ إلَى مَا سَبَقَ فِي أُمّ الْكِتَابِ، وَإِلَى مَا دَبّرَهُ وَأَحْكَمَهُ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَتَنَافَرُ النّفُوسُ، أَوْ تَتَقَارَبُ، وَتَتَحَابّ أَوْ تَتَبَاغَضُ عَلَى حَسَبِ التّشَاكُلِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ.
الْإِنْسَانُ رُوحٌ وَجَسَدٌ:
فَصْلٌ: وَقَدْ يُعَبّرُ بِالنّفْسِ عَنْ جُمْلَةِ الْإِنْسَانِ رُوحُهُ وَجَسَدُهُ، فَتَقُولُ: عِنْدِي ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ، وَلَا تَقُولُ: عِنْدِي ثَلَاثَةُ أَرْوَاحٍ ، لَا يُعَبّرُ بِالرّوحِ إلّا عَنْ الْمَعْنَى الْمُتَقَدّمِ ذِكْرُهُ، وَإِنّمَا اتّسَعَ فِي النّفْسِ، وَعَبّرَ بِهَا عَنْ الْجُمْلَةِ لِغَلَبَةِ أَوْصَافِ الْجَسَدِ عَلَى الرّوحِ، حَتّى صَارَ يُسَمّى نَفْسًا، وَطَرَأَ هَذَا الِاسْمُ بِسَبَبِ الْجَسَدِ، كَمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَاءِ فِي الشّجَرِ أَسْمَاءٌ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الشّجَرِ مِنْ حُلْوٍ وَحَامِضٍ وَمُرّ وَحِرّيفٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَتَحَصّلَ مِنْ مَضْمُونِ مَا ذَكَرْنَا أَلّا يُقَالَ فِي النّفْسِ: هِيَ الرّوحُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، حَتّى تُقَيّدَ بِمَا تَقَدّمَ، وَلَا يُقَالُ فِي الرّوحِ: هُوَ النّفْسُ إلّا كَمَا يُقَالُ فِي الْمَنِيّ هُوَ الْإِنْسَانُ، أَوْ كَمَا يُقَالُ لِلْمَاءِ الْمُغَذّي لِلْكَرْمَةِ هُوَ: الْخَمْرُ، أَوْ الْخَلّ، عَلَى مَعْنَى أَنّهُ سَتَنْضَافُ إلَيْهِ أَوْصَافٌ يُسَمّى بِهَا خَمْرًا أَوْ خَلّا، فَتَقْيِيدُ الْأَلْفَاظِ هُوَ: مَعْنَى الْكَلَامِ، وَتَنْزِيلُ كُلّ لَفْظٍ فِي مَوْضِعِهِ، هُوَ مَعْنَى الْبَلَاغَةِ فَافْهَمْهُ.
وَرُوحُ النّائِمِ وَإِنْ وُصِفَ بِالْقَبْضِ، فَلَا يَدُلّ لَفْظُ الْقَبْضِ عَلَى انْتِزَاعِهِ بِالْكُلّيّةِ كَمَا لَا يَدُلّ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِي الظّلّ( ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً )الْفُرْقَانِ:46. عَلَى إعْدَامِ الظّلّ بِالْكُلّيّةِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ )فَلَمْ يَقُلْ: الْأَرْوَاحَ، لِأَنّهُ وَعَظَ الْعِبَادَ الْغَافِلِينَ عَنْهُ، فَأَخْبَرَ أَنّهُ يَتَوَفّى أَنْفُسَهُمْ، ثُمّ يُعِيدُهَا حَتّى يَتَوَفّاهَا، فَلَا يُعِيدُهَا إلَى الْحَشْرِ لِتَزْدَجِرَ النّفُوسُ بِهَذِهِ الْعِظَةِ عَنْ سُوءِ أَعْمَالِهَا
إذْ الْآيَةُ مَكّيّةٌ، وَالْخِطَابُ لِلْكُفّارِ، وَقَدْ تَنَزّلَتْ الْأَلْفَاظُ مَنَازِلَهَا فِي الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ مَعْنَى الْفَصَاحَةِ وَسِرّ الْبَلَاغَةِ.
الروض الانف ج3-178ص \ باب أول صحابى جهر بالقران
مختصرا لكلامه .. مع وضع عنوان ليس فى الاصل وهو " الارواح جنود مجندة "
*********************************
ختاما
عموما .. نقلت لكم كلام رائع وبديع لشيخ لا يعرفه الكثيرون من الناس .. إلا العلماء فقط .. ولعل يكون كلامه هذا بداية للتعرف عليه ( واحياء العلم والعلماء) من خلال كتابه القيم وهو " الروض الأنف فى شرح السيرة النبوية " للإمام السهيلى رحمه الله تعالى
وهو شرح لسيرة ابن اسحاق وبن هشام .. بطريقة بديعة لم يسبق إليها .. ولذلك سمى كتابه الروض الآنف .
.. الفرق بين الروح والجسد ..
ومعنى حديث الأرواح جنود مجندة
نعرض هنا .. أجمل ما قيل فى هذا الموضوع إضافة الى ما سبق من مواضيع .. بخصوص الكلام عن الروح
نقلا عن كتاب الروض الأُنف ( بضم الألف والنون والفاء )
قال الامام السهيلي :
الْفَرْقُ بَيْنَ الرّوحِ وَالنّفْسِ:
فَنَقُولُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي )، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ نَفْسِي وَكَذَلِكَ قَالَ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) السّجْدَةِ: 9.. وَلَمْ يقل من نَفْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ هَذَا، وَلَا خَفَاءَ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ فِي الْكَلَامِ، وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فِي الْمَعْنَى ..
وَبِعَكْسِ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) وَلَمْ يَقُلْ: تَعْلَمُ مَا فِي رُوحِي، وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي رُوحِك، وَلَا يَحْسُنُ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَهُ غَيْرُ عِيسَى ..
وَلَوْ كَانَتْ النّفْسُ وَالرّوحُ اسْمَيْنِ لِمَعْنَى وَاحِدٍ، كَاللّيْثِ وَالْأَسَدِ لَصَحّ وُقُوعُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكَانَ صاحبه، وكذلك قوله تعالى: يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَحْسُنُ فِي الْكَلَامِ: يَقُولُونَ فِي أَرْوَاحِهِمْ، وقال تعالى أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ ) وَلَمْ يَقُلْ:أَنْ تَقُولَ رُوحٌ
فَأَيْنَ إذًا كَوْنُ النّفْسِ وَالرّوحِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ لَوْلَا الْغَفْلَةُ عَنْ تَدَبّرِ كَلَامِ اللهِ تعالى؟!
ولكن بقيت دقيقة يعرف منها السّرّ وَالْحَقِيقَةُ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَافٌ مُتَبَايِنٌ إنْ شَاءَ اللهُ، فَنَقُولُ وَبِاَللهِ التّوْفِيقُ:
الرّوحُ مُشْتَقّ مِنْ الرّيحِ، وَهُوَ جِسْمٌ هَوَائِيّ لَطِيفٌ، بِهِ تَكُونُ حَيَاةُ الْجَسَدِ عَادَةً، أَجْرَاهَا اللهُ تَعَالَى؛ لِأَنّ الْعَقْلَ يُوجِبُ أَلّا يَكُونَ لِلْجِسْمِ حَيَاةٌ، حَتّى يُنْفَخَ فِيهِ ذَلِكَ الرّوحُ الّذِي هُوَ فِي تَجَاوِيفِ الْجَسَدِ، كَمَا قَالَ ابْنُ فُورَكٍ وَأَبُو الْمَعَالِي وَأَبُو بَكْرٍ الْمُرَادِيّ، وَسَبَقَهُمْ إلَى نَحْوٍ مِنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيّ، وَمَعْنَى كَلَامِهِمْ وَاحِدٌ أَوْ مُتَقَارِبٌ.
الرّوحُ سَبَبُ الْحَيَاةِ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنّ الرّوحَ سَبَبُ الحياة عادة، أجراها الله تعالى، فهو كَالْمَاءِ الْجَارِي فِي عُرُوقِ الشّجَرَةِ صُعُدًا، حَتّى تَحْيَا بِهِ عَادَةً
فَنُسَمّيهِ مَاءً بِاعْتِبَارِ أَوّلِيّتِهِ، وَنُسَمّي أَيْضًا هَذَا رُوحًا بِاعْتِبَارِ أَوّلِيّتِهِ، وَاعْتِبَارِ النّفْخَةِ الّتِي هِيَ رِيحٌ، فَمَا دَامَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمّهِ حَيّا، فَهُوَ ذُو رُوحٍ
فإذا نشأوا كتب ذلك الروح أخلافا وَأَوْصَافًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى مَصَالِحِ الْجِسْمِ كَلَفًا بِهِ، وَعَشِقَ مَصَالِحَ الْجَسَدِ وَلَذّاتِهِ، وَدَفَعَ الْمَضَارّ عَنْهُ سُمّيَ: نَفْسًا، كَمَا يَكْتَسِبُ الْمَاءُ الصّاعِدُ فِي الشّجَرَةِ مِنْ الشّجَرَةِ أَوْصَافًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ
فَالْمَاءُ فِي الْعِنَبَةِ مَثَلًا هُوَ: مَاءٌ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَالْبَدْأَةِ.. فَفِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْمُيُوعَةُ وَالرّطُوبَةُ، وَفِيهِ مِنْ الْعِنَبَةِ الْحَلَاوَةُ، وَأَوْصَافٌ أُخَرَ، فَتُسَمّيهِ مِصْطَارًا إنْ شِئْت، أَوْ خَمْرًا إنْ شِئْت، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمّا أَوْجَبَهُ الِاكْتِسَابُ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ
فَمَنْ قَالَ: إنّ النّفْسَ هِيَ الرّوحُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، فَلَمْ يُحْسِنْ الْعِبَارَةَ، وَإِنّمَا فِيهَا مِنْ الرّوحِ .. الْأَوْصَافُ الّتِي تَقْتَضِيهَا نَفْخَةُ الْمَلَكِ، وَالْمَلَكُ مَوْصُوفٌ بِكُلّ خُلُقٍ كَرِيمٍ
.. وَمِنْ هَهُنَا سُمّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ: رُوحًا، وَالْوَحْيُ: رُوحًا، لِأَنّ بِهِ تَكُونُ حَيَاةُ الْقُلُوبِ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً [فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها] الْأَنْعَامِ: 122 وَقَالَ فِي الْكُفّارِ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ )النّحْلِ: 21 وَقَالَ فِي النّفْسِ مَا تَقَدّمَ، وَقَالَ: ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) يُوسُفَ: 53
وَلَمْ يَقُلْ إنّ الرّوحَ لَأَمّارَةٌ؛ لِأَنّ الرّوحَ الّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ لَا يَأْمُرُ بِسُوءِ، وَلَا يُسَمّى أَيْضًا نَفْسًا، كَمَا قَدّمْنَا حَتّى يَكْتَسِبَ مِنْ الْجَسَدِ الْأَوْصَافَ الْمَذْكُورَةَ، وَمَا كَانَ نَحْوَهَا، وَالْمَاءُ النّازِلُ مِنْ السّمَاءِ جِنْس وَاحِدٌ، فَإِذَا مَازَجَ أَجْسَادَ الشّجَرِ كَالتّفّاحِ وَالْفِرْسِكِ وَالْحَنْظَلِ وَالْعُشُرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ
كَذَلِكَ الرّوحُ الْبَاطِنَةُ الّتِي هِيَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، هِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ أَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا لَهَا حِينَ قال: ( ونفخ فيه من روحه )..
الارواح جنود مجنده
"عنوان ليس فى اصل الكتاب"
ثُمّ يُخَالِطُ الْأَجْسَادَ الّتِي خُلِقَتْ مِنْ طِينٍ، وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الطّينِ طَيّبٌ وَخَبِيثٌ، فَيَنْزِعُ كُلّ فَرْعٍ إلَى أَصْلِهِ، وَيَنْزِعُ ذَلِكَ الْأَصْلُ إلَى مَا سَبَقَ فِي أُمّ الْكِتَابِ، وَإِلَى مَا دَبّرَهُ وَأَحْكَمَهُ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَتَنَافَرُ النّفُوسُ، أَوْ تَتَقَارَبُ، وَتَتَحَابّ أَوْ تَتَبَاغَضُ عَلَى حَسَبِ التّشَاكُلِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ.
الْإِنْسَانُ رُوحٌ وَجَسَدٌ:
فَصْلٌ: وَقَدْ يُعَبّرُ بِالنّفْسِ عَنْ جُمْلَةِ الْإِنْسَانِ رُوحُهُ وَجَسَدُهُ، فَتَقُولُ: عِنْدِي ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ، وَلَا تَقُولُ: عِنْدِي ثَلَاثَةُ أَرْوَاحٍ ، لَا يُعَبّرُ بِالرّوحِ إلّا عَنْ الْمَعْنَى الْمُتَقَدّمِ ذِكْرُهُ، وَإِنّمَا اتّسَعَ فِي النّفْسِ، وَعَبّرَ بِهَا عَنْ الْجُمْلَةِ لِغَلَبَةِ أَوْصَافِ الْجَسَدِ عَلَى الرّوحِ، حَتّى صَارَ يُسَمّى نَفْسًا، وَطَرَأَ هَذَا الِاسْمُ بِسَبَبِ الْجَسَدِ، كَمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَاءِ فِي الشّجَرِ أَسْمَاءٌ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الشّجَرِ مِنْ حُلْوٍ وَحَامِضٍ وَمُرّ وَحِرّيفٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَتَحَصّلَ مِنْ مَضْمُونِ مَا ذَكَرْنَا أَلّا يُقَالَ فِي النّفْسِ: هِيَ الرّوحُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، حَتّى تُقَيّدَ بِمَا تَقَدّمَ، وَلَا يُقَالُ فِي الرّوحِ: هُوَ النّفْسُ إلّا كَمَا يُقَالُ فِي الْمَنِيّ هُوَ الْإِنْسَانُ، أَوْ كَمَا يُقَالُ لِلْمَاءِ الْمُغَذّي لِلْكَرْمَةِ هُوَ: الْخَمْرُ، أَوْ الْخَلّ، عَلَى مَعْنَى أَنّهُ سَتَنْضَافُ إلَيْهِ أَوْصَافٌ يُسَمّى بِهَا خَمْرًا أَوْ خَلّا، فَتَقْيِيدُ الْأَلْفَاظِ هُوَ: مَعْنَى الْكَلَامِ، وَتَنْزِيلُ كُلّ لَفْظٍ فِي مَوْضِعِهِ، هُوَ مَعْنَى الْبَلَاغَةِ فَافْهَمْهُ.
وَرُوحُ النّائِمِ وَإِنْ وُصِفَ بِالْقَبْضِ، فَلَا يَدُلّ لَفْظُ الْقَبْضِ عَلَى انْتِزَاعِهِ بِالْكُلّيّةِ كَمَا لَا يَدُلّ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِي الظّلّ( ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً )الْفُرْقَانِ:46. عَلَى إعْدَامِ الظّلّ بِالْكُلّيّةِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ )فَلَمْ يَقُلْ: الْأَرْوَاحَ، لِأَنّهُ وَعَظَ الْعِبَادَ الْغَافِلِينَ عَنْهُ، فَأَخْبَرَ أَنّهُ يَتَوَفّى أَنْفُسَهُمْ، ثُمّ يُعِيدُهَا حَتّى يَتَوَفّاهَا، فَلَا يُعِيدُهَا إلَى الْحَشْرِ لِتَزْدَجِرَ النّفُوسُ بِهَذِهِ الْعِظَةِ عَنْ سُوءِ أَعْمَالِهَا
إذْ الْآيَةُ مَكّيّةٌ، وَالْخِطَابُ لِلْكُفّارِ، وَقَدْ تَنَزّلَتْ الْأَلْفَاظُ مَنَازِلَهَا فِي الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ مَعْنَى الْفَصَاحَةِ وَسِرّ الْبَلَاغَةِ.
الروض الانف ج3-178ص \ باب أول صحابى جهر بالقران
مختصرا لكلامه .. مع وضع عنوان ليس فى الاصل وهو " الارواح جنود مجندة "
*********************************
ختاما
عموما .. نقلت لكم كلام رائع وبديع لشيخ لا يعرفه الكثيرون من الناس .. إلا العلماء فقط .. ولعل يكون كلامه هذا بداية للتعرف عليه ( واحياء العلم والعلماء) من خلال كتابه القيم وهو " الروض الأنف فى شرح السيرة النبوية " للإمام السهيلى رحمه الله تعالى
وهو شرح لسيرة ابن اسحاق وبن هشام .. بطريقة بديعة لم يسبق إليها .. ولذلك سمى كتابه الروض الآنف .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى